فصل: قال في ملاك التأويل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه} قرأ حمزة وأبو بكر والكسائي {من يصرف} مبنيًا للفاعل فمن مفعول مقدم والضمير في {يصرف} عائد على الله ويؤيده قراءة أبي {من يصرف} الله وفي {عنه} عائد على العذاب والضمير المستكن في {رحمه} عائد على الرب أي أيّ شخص يصرف الله عنه العذاب فقد رحمه الرحمة العظمى وهي النجاة من العذاب، وإذا نجّى من العذاب دخل الجنة ويجوز أن يعرب {من} مبتدأ والضمير في {عنه} عائد عليه، ومفعول {يصرف} محذوف اختصارًا إذ قد تقدّم في الآية قبل التقدير أي شخص يصرف الله العذاب عنه فقد رحمه، وعلى هذا يجوز أن يكون من باب الاشتغال فيكون {من} منصوبًا بإضمار فعل يفسره معنى {يصرف} ويجوز على إعراب {من} مبتدأ أن يكون المفعول مذكورًا، وهو {يومئذ} على حذف أي هول يومئذ فينتصب {يومئذ} انتصاب المفعول به.
وقرأ باقي السبعة {من يصرف} مبنيًا للمفعول ومعلوم أن الصارف هو الله تعالى، فحذف للعلم به أو للإيجاز إذ قد تقدّم ذكر الرّب ويجوز في هذا الوجه أن يكون الضمير في {يصرف} عائدًا على {من} وفي {عنه} عائدًا على العذاب أي أيّ شخص يصرف عن العذاب، ويجوز أن يكون الضمير في {عنه} عائدًا على {من} والضمير في {يصرف} عائدًا على العذاب أيّ أيّ شخص يصرف العذاب عنه، ويجوز أن يكون الضميران عائدين على {من} ومفعول {يصرف} {يومئذ} وهو مبني لإضافته إلى إذ فهو في موضع رفع بيصرف والتنوين في {يومئذ} تنوين عوض من جملة محذوفة يتضمنها الكلام السابق التقدير يوم، إذ يكون الجزاء إذ لم يتقدّم جملة مصرّح بها يكون التنوين عوضًا عنها، وتكلم المعربون في الترجيح بين القراءتين على عادتهم فاختار أبو عبيد وأبو حاتم وأشار أبو عليّ إلى تحسينه قراءة {يصرف} مبنيًا للفاعل لتناسب {فقد رحمه} ولم يأت فقد رحم ويؤيده قراءة عبد الله وأبي {من يصرف} الله ورجح الطبري قراءة {يصرف} مبنيًا للمفعول قال: لأنها أقل إضمارًا.
قال ابن عطية: وأما مكي بن أبي طالب فتخبط في كتاب الهداية في ترجيح القراءة بفتح الياء ومثل في احتجاجه بأمثلة فاسدة.
قال ابن عطية: وهذا توجيه لفظي يشير إلى الترجيح تعلقه خفيف، وأما المعنى فالقراءتان واحد؛ انتهى.
وقد تقدّم لنا غير مرّة إنا لا نرجح بين القراءتين المتواترتين.
وحكى أبو عمرو الزاهد في كتاب اليواقيت أن أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلبًا كان لا يرى الترجيح بين القراءات السبع.
وقال: قال ثعلب من كلام نفسه إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة، لم أفضل إعرابًا على إعراب في القرآن فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى ونعم السلف لنا، أحمد بن يحيى كان عالمًا بالنحو واللغة متدينًا ثقة.
{وذلك الفوز المبين} الإشارة إلى المصدر المفهوم {من يصرف} أي وذلك الصرف هو الظفر والنجاة من الهلكة و{المبين} البين في نفسه أو المبين غيره. اهـ.

.قال الفخر:

ظاهر الآية يقتضي كون ذلك اليوم مصروفًا وذلك محال، بل المراد عذاب ذلك اليوم، وحسن هذا الحذف لكونه معلومًا. اهـ.
قال الفخر:
دلّت الآية على أن الطاعة لا توجب الثواب، والمعصية لا توجب العقاب لأنه تعالى قال: {مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ} أي كل من صرف الله عنه العذاب في ذلك اليوم فقد رحمه.
وهذا إنما يحسن لو كان ذلك الصرف واقعًا على سبيل التفضل أما لو كان واجبًا مستحقًا لم يحسن أن يقال فيه إنه رحمه ألا ترى أن الذي يقبح منه أن يضرب العبد، فإذا لم يضربه لا يقال إنه رحمه.
أما إذا حسن منه أن يضربه ولم يضربه فإنه يقال إنه رحمه، فهذه الآية تدل على أن كل عقاب انصرف وكل ثواب حصل، فهو ابتداء فضل وإحسان من الله تعالى وهو موافق لما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده ما من الناس أحد يدخل الجنة بعمله، قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» ووضع يده فوق رأسه، وطول بها صوته. اهـ.
قال الفخر:
قال القاضي: الآية تدل على أن من لم يعاقب في الآخرة ممن يصرف عنه العقاب، فلابد من أن يثاب وذلك يبطل قول من يقول: إن فيمن يصرف عنه العقاب من المكلفين من لا يثاب، لكنه يتفضل عليه.
فإن قيل: أليس من لم يعاقبه الله تعالى ويتفضل عليه فقد حصل له الفوز المبين وذلك يبطل دلالة الآية على قولكم؟
قلنا: هذا الذي ذكرتموه مدفوع من وجوه: الأول: أن التفضل يكون كالابتداء من قبل الله تعالى، وليس يكون ذلك مطلوبًا من الفعل والفوز هو الظفر بالمطلوب، فلابد وأن يفيد أمرًا مطلوبًا.
والثاني: أن الفوز المبين لا يجوز حمله على التفضل بل يجب حمله على ما يقتضي مبالغة في عظم النعمة، وذلك لا يكون إلا ثوابًا.
والثالث: أن الآية معطوفة على قوله: {إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: 15] والمقابل للعذاب هو الثواب، فيجب حمل هذه الرحمة على الثواب.
واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف جدًا وضعفه ظاهر فلا حاجة فيه إلى الاستقصاء والله أعلم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)}.
من أدركه سابقُ عنايته صَرَفَ عنه لاحِقَ عقوبته. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)}.
فكأن من لا يُصرف عنه هذا العذاب هو من ينجذب إلة قوة العذاب؛ لأن لنار جهنم شهيقًا يجذب ويسحب إليه الذين قُدِّرَ عليهم العذاب ويقول سبحانه: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المصير إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ} [الملك: 6- 7].
والذين يكفرون بالله لهم العذاب الذي يبدأ بسماع شهيق جهنم في أثناء فورانها. والشهيق كما تعلم هو قوة تجذب وتسحب الهواء إلى الأنف والصدر، فما بالنا بقوة شهيق جهنم وهي تسحب وتجذب الذين وقع عليهم الأمر بالعذاب؟
وهذه النار نفسها ترد على سؤال الحق لها عندما تسمع قوله: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30].
إذن فقوة العذاب التي جعلها الله مهمة لجنهم هي التي تلح وتندفع لطلب المزيد من عقاب الكافرين. وسبحانه خلق كل شيء ليؤدي مهمة، والنار مهمتها أن تتمثل لأمر الحق تبارك وتعالى عندما يأمرها بمباشرة مهمتها؛ لذلك فهي تلح في طلب الذين سيتلقون العذاب، ولا تخرج النار أبدًا عن أمر الله وقدره، فإن صَرَف الحق العذاب عن عبد من العباد فالنار تمتثل لذلك الأمر. {مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ} وسبحانه فعال لما يريد، وهو إن حاسبنا بالعدل فكل منا يسميه شيء من عذاب جهنم؛ ولكن رحمة الله هي التي تجعل النار لا تمس المؤمنين؛ لأنه سبحانه وتعالى يعفو عن كثير؛ ولأن للنار شهيقًا، فهي تستنشق المكتوب عليهم العذاب، ونعلم أن الشهيق يتم بسرعة أكبر من الزفير. والشهيق في الحياة يكون للهواء.
والسبب ازدياد سرعة الشهيق عن الزفير أن في الشهيق مهمة استدامة الحياة الأولى وهي إمداد الجسم بالهواء، والإنسان- كما نعلم- لا يصبر على الهواء إلا لأقل مدة ممكنة. ومن رحمة الله أنه لم يملِّك الهواء لأحد. وهذا الشهيق الذي يعطي الحياة في الأرض يوجد- أيضًا- في الآخرة وهو منسوب إلى النار، إنها تشهق لتبتلع العصاة، وهي بذلك تؤدي مهمتها الموكولة لها. ونعرف أيضًا أن النار تؤدي مهمتها بغيظ طبقًا لما قاله الحق سبحانه: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ} [الملك: 8].
فهل تؤدي النار مهمتها وهي غير راضية عنها؟ وهل تختلف النار عن كل كائنات الحق التي تؤدي مهمتها بسعادة وانسجام؟ إن النار تَمَيَّزُ من الغيظ لأن الكافر من هؤلاء لم يعرف قيمة الإيمان، وللنار مشاعر مثل بقية المخلوقات. وللكون كله مشاعر؛ فالكون- على سبيل المثال- قد فرح بميلاد محمد صلى الله عليه وسلم؛ فالأرض والسماء والنجوم والشجر وكل الكون فرحت بمقدم الرسول الكريم؛ لأن كل هذه الكائنات مسخرة للإنسان وهي مسبحة لله وطائعة بطبيعتها، مثلما يأتي البشير ليهدي الإنسان إلى الصراط المستقيم ليجعله طائعًا، فهي تفرح بمقدم هذا البشير.
ونعرف أن المكان يوجد به الإنسان، هذا المكان يفرح إن كان الإنسان فيه طائعًا، وهذا المكان نفسه يحزن إن كان الإنسان عاصيًا، ويضج المكان- أي مكان- بوجود أي عاص فيه. ونرى ذلك واضحًا في قول الحق سبحانه وتعالى عن قوم فرعون: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} [الدخان: 25- 29].
والأرض التي كان بها قوم فرعون كان لها مشاعر، والجنات والأنهار والعيون وكل النعم التي ينعم بها الإنسان لها مشاعر وأحاسيس، وهي تغضب وتسخط وتضج بوجود الكافرين بنعمة الله فيها، ولذلك لا تبكي السماء والأرض على الخسف والتنكيل بهؤلاء العصاة الكافرين المشركين. بينما تبكي السماء والأرض إن فارقها مؤمن، ولنا في قول الإمام علي- كرم الله وجهه- إيضاح لهذا؛ فقد قال: إذا مات المؤمن بكى عليه موضعان: موضع في السماء، وموضع في الأرض. أما موضعه في السماء فهو مصعد عمله الطيب، وأما موضعه في الأرض فهو موضع مُصلاَّه.
وفي الحديث: «إذا مات أحدكم عُرض عليه مقعد بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة».
إذن فموضع صعود عمل الإنسان في السماء يحزن؛ لأن هناك فقدانًا لعمل صالح يمر فيه، وموضع صلاة الإنسان يفقد سجود إنسان خشوعًا لله، ولكل الكائنات المخلوقة لله مشاعر، وكل شيء في الكون يؤدي مهمته بقانون التسيير والتسخير لا قانون التخيير، الإنسان- فقط- هو الذي يحيا بقانون التخيير في بعض أحواله؛ لأنه قادر على الطاعة، وقادر على المعصية. ولذلك فعندما نرى السجود لله في القرآن فإننا نسمع قول الحق: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوآب وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب وَمَن يُهِنِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18].
إذن فكل الكائنات تسجد له ما عدا كل أفراد الإنسان؛ فكثير منه يسجد لله وكثير منه يحق عليه العذاب لأنه لا يطيع الحق. ومن يعص منهج الله غير مؤمن به يطرده الله من رحمته، ومن يهنه الله بذلك فليس له تكريم أبدًا. وقد أجمع الكون على السجود لله، إلا الإنسان فمنه الصالح المنسجم بعمله مع خضوع الكون لله، ويفرح به الكون، ومنه يغضب منه الكون لأنه يعصي الله.
إن اللغة العربية توضح لنا ذلك؛ فالعرب يقولون: فلان نَبَتْ به الأرض من النَّبْوَة وهي الجفوة والبعد والإعراض.
أي أن الأرض تكره شخصًا بعينه؛ لأنه لا انسجام للأرض مع كائن عاصٍ.
ويقول الحق عن الذين يصرف عنهم العذاب من فرط رحمته بعباده لأنهم أطاعوه وكانت معاصيهم تغلبهم في بعض الأحيان فيتوبون عنها رضي الله عنهم: {مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الفوز المبين} [الأنعام: 16].
ونعلم أن هذا الفوز هو أرقى درجات الفوز؛ ذلك أن الفوز درجات؛ فالفوز في الدنيا كالنجاح أو المال أو غير ذلك هو فوز مُعرَّض لأن يضيع. وهو عُرضة لأن يترك الإنسان أو يتركه الإنسان، لكن فوز الآخرة هو الفوز الدائم الذي لا ينتهي.
وهذا هو الفارق بين نعم الدنيا ونعم الآخرة، والإنسان يتنعم في الدنيا على قدر تصوره للنعيم، فنجد الريفي- مثلًا- يتصور النعيم أن تكون له مِصطبة أمام داره يجلس عليها، وعدد من القلل التي تمتلئ بالماء النقي، فإذا ما انتقل هذا الريفي إلى المدينة فهو يتصور النعيم في منزل متسع فيه أثاث فاخر وأدوات كهربائية من ثلاجة وغير ذلك، إذن فإمكانات النعيم مختلفة على حسب تصور الإنسان، أما نعيم الآخرة فهو نعيم لا يفوته الإنسان ولا يفوت الإنسان؛ لأنه نعيم من صنع الخالق الواسع والعطاء.. إن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولذلك فالفوز بنعيم الآخرة هو الفوز المبين.
والحق سبحانه وتعالى هو المحيط بكل شيء عِلْمًا واقتدارًا: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ...}. اهـ.

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وذلك الفوز المبين} وفى الجاثية: {ذلك هو الفوز المبين} بزيادة {هو} وسقوط واو العطف.
لما تقدم في سورة الأنعام قوله تعالى: {قل إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم} ثم أعقب بقوله تعالى: {من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه} والمراد من يصرف عنه العذاب في الآخرة فقد رحمه عطف عليه قوه: {وذلك الفوز} وكان الكلام في قوة قوله فقد رحم وفاز كما في قوله: {فمن زحزح عن النار وأدخل النار فقد فاز} والفاء هنا وفى قوله: {فقد رحمه} جواب الشرط والفوز مسبب عن الرحمة فاكتفى بذكره في آية آل عمران وذكرا معا في آية الأنعام فعطفه عليه بين ولم يتقدم من أول السورة إلى هنا ما يتوهمه العاقل فوزا فيحترز منه بما يعطيه ضمير هو من المفهوم فلم يقع الضمير هنا.
أما آية الجاثية فقد ورد قبلها قوله تعالى مخبرا عن قول منكرى البعث: {ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} فأفهم قوله: {ما هي إلا حياتنا الدنيا} أن هذه الحياة هي الحاصلة لهم ولا حياة وراءها فمن تنعم فيها فذاك فوزه فأخبروا أن الأمر ليس كما ظنوه وذكر تعالى أمر الساعة وتفصيل الأحوال فيها وقال: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته} ثم قيل {ذلك هو الفوز المبين} لا الحياة التي هي لهو ولعب فكأن قد قيل: ذلك الفوز لا ما ظننتموه فوزا فأحرز مفهوم الضمير هذا المقصود ولم يتقدم في آية الأنعام ما يستدعيه كما لم يتقدم في آية الجاثية ما يستدعى العطف فجاء كل على ما يناسب والله أعلم. اهـ.